أبدأُ بِمُسَلَّمَةٍ عِندي وهيَ، أنّ أيَّ تقدّمٍ أو نجاحٍ قد تُحرزُهُ مدرستُنا، هو حتمًا حصيلةُ جهودٍ مجتمعةٍ لِكَثيرين. وَبهذه المناسبة، أودُّ بدايةً، أنْ أُوَجِّهَ الشكرَ لأفرادِ عائلتي، زوجتي وأولادي على دعمهِمُ المُنقطِعُ النظير. كذلك الشكرُ للمعلماتِ الفاضلاتِ على عملهنَّ الجادِّ وتفانيهنَّ في خدمةِ العمليةِ التعليمية، وحفلُ الليلةِ لم يكنْ مُمكنًا بدونِ التزامِ طلابنا وأولياءُ الأمورِ والمُعلمين.
الحضورُ الكريم، عوّدناكُم في حفلِ نهايةِ كُلِّ عامٍ ومنذ سنةِ 2016، أنْ نُطِلَّ عليكُمْ بخطابنا السنويّ. وكُنّا سابقًا نُطيلُ الكلامَ بعضَ الشيءِ، حتى يتسنّى لنا شرحُ بعضِ التفاصيل عن خُطواتِنا العَمَلِيّةِ والتعليميّة، (كيف انطلقنا، ومن هو مُلْهِمُنا، وما هي أهدافنا، وما هي خُطَّةُ عملنا، وإلى أين وصلنا، وما هو جديدنا…إلخ)، لكننا في هذا العامِ لَنْ نُطيلَ عليكُمْ كثيرًا، لأنَّ تلكَ التفاصيلَ باتَتْ مُدَوَّنةً ومتوفرةً في موقعِ المدرسةِ الإلكترونيّ. www.hoodannoor.com.au
ولأنَّهُ لا تَمُرُّ مَناسبةٌ إلّا ونُذَكِّرُ فيها أنفسنا بواجباتِنا ومسؤولياتِنا، فلا بُدَّ لنا أنْ نُعيدَ التذكيرَ بما أوصانا به فضيلةُ الشيخ محمود مُرْهِج (رحمةُ الله تعالى ورِضوانُه عليه)، الذي زار أستراليا سنة 1980م وأقام فيها لِعِدَّةِ سنوات، وكان له فضلٌ لا يُنسى في تعليمِ ونهضةِ أبناءِ الجاليةِ هنا… ونقتبسُ من قوله ما يلي:
«علينا، ونحنُ في هذه الـمَهاجِر، أن نُرَكّزَ اهتمامنا، لأبنائِنا، الذين هُمْ، نِتاجُ الأُسرةِ، والبُرعُمُ النَّامي، وأن نتعَهَّدَهُمْ بكُل عِنايةٍ وإخلاصٍ، لأنَّهُمْ أمانةٌ في أعناقِنا؛ بأنْ نُعَلّمَهُمْ: لُغَتَنا وطُقُوسَنا وعاداتِنا وعباداتِنا، هذا التُراثُ القَوْمِيُّ الذي وَرِثناهُ عَنِ الْآباءِ كابرًا عَنْ كَابِر…»
إلى آخر الوَصِيَّةِ، وهي موجودةٌ كاملةً في موقعِ المدرسةِ الإلكترونيّ، ونحرصُ كلَّ عامٍ على التذكيرِ بها عبرَ إرفاقِها مع الإمساكيةِ التي نُعِدُّها لشهرِ رمضانَ المبارك.
كما أنّنا نُصغِي باهتمامٍ بالغٍ إلى ما يقوله فضيلةُ الشيخ تـمّام أحمد حفظه الله وأطالَ عُمْرَهُ الشريف:
«إِذَا فَارَقَ الْمَرْءُ لُغَتَهُ فَقَدْ فَارَقَ تُرَاثَهُ، وَفَقَدَ حَضَارَتَهُ، وَأُخْرِجَ مِنْ هُوِيَّتِهِ.»
إنَّ ما أوصى به فضيلة الشيخ محمود مُرهج (رحمه الله)، والشيخ تمام أحمد (حفظه الله)، وغيرَهُما مِنَ السَّادَةِ العلماء، قد أيقظَ هِمَمَنا، وشَحَذَ مَساعينا، وزادَ تشبُّثَنا بجُذورنا، واعتِزازَنا بِأُصولِنا، فانصبَّتْ أعمالُنا وَتجَلَّتْ مُهِمَّاتُنا في حِفْظِ هُوِيَّتِنا، عبرَ الافتخارِ بأدبِنا، ومعرفةِ تاريخِنا، ومِفتاحُ تحقيقِ كُلِّ هذا يَكْمُنُ في مدى تَمَسُّكِنا باللغةِ العربيةِ وحُبِّنا لها.
ولهذا فإننا في مدرسة «هُدى النُّور» نُكَرِّسُ كلَّ طاقاتِنا ووقتِنا وجُهْدِنا، لترغيبِ طلابنا بِلُغَتِهم، وجعلهِمْ يُحبُّونَ تعلُّمَها، والنُّطقَ بها في حياتِهِمُ اليَّوْمية. وهذا الحفلُ، وما سيُقدِّمُهُ الطلابُ فيه، هو جُزْءٌ منْ خُطَّةِ العملِ التي نُتَوِّجُ بها عامَنا الدراسيّ.
وبتوفيقٍ من اللهِ سبحانَهُ وتعالى، فإننا نعملُ بإخلاصٍ، ونُداومُ على العملِ، ونحاولُ إتقانَ هذا العمل، قَدْرَ المُستطاع، ولهذا فنحنُ مُنكبّونَ على إعدادِ المناهجِ التعليميةِ الحديثةِ، التي تراعي تعليمَ اللغةِ العربيةِ للناطقينَ ولغيرِ الناطقينَ بها.
وهذه المناهجُ، هي شُغْلُنا الشّاغِلُ، الذي أمضينا فيهِ أكثرَ مِنْ سبعِ سنواتٍ، وما زلنا نُطَوِّرُ مَهاراتِنا حتى نُقدِّمَ الأفضلَ، وحتى يكونَ إنتاجُنا فَريدًا وَمُفيدًا للأجيالِ القادمةِ بإذنِ اللهِ تعالى.
هذه اللغةُ العظيمةُ، سَتُمَكِّنُ أولادنا من الحفاظِ على هُوِيَّةِ أجدادِهِمْ، ومعرفةِ حقائِقِ تاريخِهِمْ، وتَلَقِّي مِيراثَهُمُ الدِّينيَّ والعلميَّ والأدبيَّ الصحيح، هذا الميراثُ الذي يُعَدُّ مُكَوَّنًا من أهمِّ مُكَوَّناتِ الحضارةِ الإنسانيةِ وكنزًا لكلِّ البشرية. وفضلًا عن هذا، فإنَّ تعلُّمَ اللغةِ العربيةِ سيُعينُ أَبناءَنا في نجاحِ أعمالهِمْ في مستقبلهِمْ، خاصَّةً معَ انتشارِ العَوْلَمَةِ في جميعِ أنحاءِ العالَم.
نحن أيضًا، نسعى جاهدينَ في مدرستنا، لأجلِ تقوِيَةِ الروابِطِ داخِلَ مُجتمعنا قَدْرَ المُسْتطاع، وذلك من خلالِ تنظيمِ نشاطاتٍ ترفيهيةٍ خارجَ الفصلِ الدراسيّ، حيثُ يُمكنُ لأهالي طُلابِنا وأقارِبِهِمْ وأصدقائِهِمْ أن يلتقوا وَيَتَعارَفوا ويُكَوِّنوا ذِكرياتٍ رائعةٍ معًا. هي أيضًا مناسبةٌ يتعرَّفَ فيها الطلابُ على طُلّابٍ آخرين، ويكوّنوا جميعهم علاقاتٍ صِحِّيَّةً مع مُعلِّمِيهِمْ خارجَ الفصولِ الدراسيّةِ، ممّا يدفَعُ طُلّابَنا للاستمتاعِ أكثرَ بحضورِ الدروسِ وتعلُّمِ اللغَةِ العربية. ولحُسْنِ الحظِّ، وللهِ الحمدُ، فقد تمكّنّا في هذا العامِ من استضافةِ أوّل يومِ نُزْهَةٍ منذ بِضعة سنوات لمُجْتمعِنَا، وكانَ الطقسَ فيهِ جميلًا، وكانَ الإقبالُ عليهِ رائعًا، ونَأْمُلُ أن نتمكَّنَ في العامِ القادمِ مِنِ اسْتِضافَةِ العديدِ مِنْ هذه التجمعات.
الأهالي الكرام، إنّ طُموحَنا كبيرٌ، وهِمّتَنا عاليَةٌ، ونحنُ نُعَوِّلُ على عَوْنِكُمْ وَتعاوُنِكُم! ونعقِدُ عليكُمُ الآمالَ، حتى تَسْهُلَ مُهِمَّتُنا، ولا نتأخَّرَ في تحقيقِ رجائِنا، ونعلَمُ أنَّكُمْ لا تُقصّرونَ في هذا المجالِ، لكنَّنا نطمَعُ بالمزيدِ مِنِ اهْتِمامِكُمْ، لأجلِ نَجاحِ أَبنائِكُمْ.
وما يزيدُ فخرَنا في هذا العام، أننا جَمعنا في مدرستِنا أهالِيَ مِنْ بلادِ الرافِدَيْنِ، مهدِ الحضارةِ والعلمِ، فإضافةً إلى طُلّابِنَا الذينَ نعتزُّ بهم، وهُمْ مِنْ أصولٍ لُبنانيةٍ وسورية، فقد انضَمَّ إلينَا طُلَّابٌ أعزّاءٌ آخَرونَ من أصولٍ عِراقِيَّةٍ أيضًا، فهَلْ رأيتُمْ كيفَ أنّ لِلُّغَةِ العربيةِ القُدرَةَ على أنْ تجمَعَنا!
نشكُرُكُمْ جميعَكُمْ على ثقتِكُمُ الْغاليةِ على قلوبِنا، ونعملُ لأن نكونَ عندَ حُسن ظنّكُم بإذنِ الله تعالى.
ويبقى حُبُّنا الصادقُ وامْتِنانُنا الأكبرُ لِبلدنا أُستراليا، الذي نجتمِعُ كُلُّنَا فيه، وتَسمحُ لنا قوانينُهُ أن نُحافِظَ على هُوِيَّةِ آبائِنَا، ونُمارِسَ مُعتقداتِنا بِحُرِّيَّةٍ وَمُساواةٍ، ومِنْ هُنا، فإنّنا نَشكُرُ المسؤولينَ في دائرةِ التعليمِ في نيو ساوث ويلز، الذينَ يَسْعَوْنَ جاهدينَ، لدعْمِ، تعليمِ اللغاتِ المُجْتمعِيَّةِ، وتنمِيَةِ خُبُراتِ المُعلمينَ، وذلكَ بمختلفِ الوسائلِ الماديَّةِ والمعنويَّةِ، ومنها:
إقامةُ الدوراتِ التعليميةِ بالتعاونِ معَ جامعةِ سيدني، وعَقْدُ المؤتمراتِ مع دكاترةٍ ومُختصينَ، وإعدادُ وُرَشِ عملٍ تثقيفيَّةٍ تُنَمّي مَهاراتِ التعليم… ولا تكتفي دائرةُ التعليمِ بكلِ هذا الدَّعْم، بلْ هناكَ كَوْكَبَةٌ منهُمْ تكلَّفوا المَشقةَ، وكَرَّسُوا الوقتَ ليَحضُرُوا معنا هذا الحفلَ، فَلَكُمْ مِنَّا كُلَّ تَحَايَا الحُبِّ والْاِحْتِرامِ والتقديرِ.
وفي هذا العامِ، الأستاذة هدى، والأستاذة بشرى، والأستاذة زهراء، جَميعُهُنَّ أَكْمَلْنَ الدورةَ التأسيسيةَ في جامعةِ سيدني بنجاح، حيثُ تعلَّمْنَ الأُسُسَ في كيفيةِ تعليمِ اللغاتِ الجديدةِ، وكيفيّةِ إشراكِ طُرُقٍ لإثارَةِ اهتمامِ الأطفالِ لتوسيعِ قُدُراتِهِمُ الثَّقافيَّة، وكيفيةِ التخطيطِ للدروسِ وَجعلِها فعّالةً، وكيفيةِ تطويرِ المَواردِ التي تضمَنُ العملَ المُشتركَ معَ مجموعةٍ مِنَ الطلاب.
وأوَدُّ هُنا، أن أُهَنِّئَ المعلماتِ الكَريماتِ على سَعْيِهِنَّ للتطويرِ المُستمِرِّ، وتنميةِ القُدُراتِ، وتعلُّمِ مَهاراتٍ جديدةٍ، ما مِنْ شأنِهِ أنْ يُحَسِّنَ جَوْدَةَ التعليمِ في الفصلِ الدراسيّ. نحنُ نُقدّرُ جُهُودَكُنَّ، ونرجو لَكُنَّ المزيدَ منَ التفوّقِ والتوفيق.
عِلاوَةً على ذلك، فإنَّ صِحَّةَ، وسلامةَ طُلابنا، هيَ أولويَّتُنا الأولى في مدرسةِ “هُدى النُّور”. وللتأَكُّدِ مِنْ أَنَّ فريقنا مُؤَهَّلٌ لتقديمِ العنايةِ الطبِّيَّةِ لِطُلابنا في حالاتِ الطوارئِ، فقدْ شاركَ طاقَمُنَا التعليميُّ، مُجْتَمِعًا، في تجديدِ أو تلقِّي شهادَةَ الإسعافاتِ الأوَّلِيَّةِ، وَتدريبَ الإنعاشِ القلْبِيِّ والرئَوِيّ.
وخِتامًا، نطلبُ منكُمْ جميعًا، أنْ تتكرّمُوا علينا بالدعاءِ بالتوفيقِ، ونَعِدُكُمْ بالمُقابِلِ: الوفاءَ لنهجِنا، ومتابعةَ مسيرتِنا، لِمَا فيهِ خيرُ طلابنا ومَنْفَعَتُهُمْ في الدنيا والدِّين.
والحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وصلّى الله على سيّدنا محمّدٍ، وعلى آلهِ الطيبينَ الطاهرين.
أبو إسكندر سليمان معين الحربوقي
سيدني – أُستراليا 16-11-2022م